فصل: ذوي منصور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 ذوي منصور

وأما أولاد منصور بن محمد فهم معظم هؤلاء المعقل وجمهورهم ومواطنهم تخوم المغرب الأقصى من قبلته ما بين ملوية ودرعة‏.‏ وبطونهم أربعة‏:‏ أولاد حسين وأولاد أبي الحسين وهما شقيقان والعمارنة أولاد عمران والمنبات أولاد منبا وهما شقيقان أيضاً‏.‏ ويقال لهذين البطنين جميعاً الأحلاف‏.‏ فأما أولاد أبي الحسن فعجزوا عن الظعن ونزلوا قصوراً اتخذوها بالقفر ما بين تافييلات وتيكورارين‏.‏ وأما أولاد حسين فهم جمهور ذوي منصور ولهم العزة عليهم ورئاستهم أيام بني مرين في أولاد خالد بن جرمون بن جرار بن عرفة بن فارس بن علي بن فارس بن حسين بن منصور كانت أيام السلطان أبي لحسن لعلي بن غانم‏.‏ وهلك إثر كائنة طريف‏.‏ وصارت لأخيه يحيى ثم لابنه عبد الواحد بن يحيى ثم لأخيه زكريا ثم لابن عمه أحمد بن رحو بن غانم ثم لأخيه يعيش ثم لابن عمه يوسف بن علي بن غانم لهذا العهد‏.‏ وكانت لبني مرين فيهم وقائع أيام يعقوب بن عبد الحق ابنه يوسف وسيأتي في أخبار بني مرين غزوة يوسف بن يعقوب من مراكش إليهم وكيف أوقع بهم بصحراء درعة‏.‏ ولما أقام بالشرق على تلمسان محاصراً لها أحلف هؤلاء العرب من المعقل على أطراف المغرب ما بين درعة وملوية إلى تاوريرت‏.‏ وكان العامل يومئذ بدرعة عبد الوهاب بن صاعد من صنائع الدولة وكبار ولاتها فكانت بينه وبينهم حروب قتل في محضها‏.‏ ثم هلك يوسف بن يعقوب ورجع بنو مرين إلى المغرب فأخذوا منهم بالثأر حتى استقاموا على الطاعة‏.‏ وكانوا يعطون الصدقة أطوع ما يكون إلى أن فشل ريح الدولة واعتزت العرب فصاروا يمنعون الصدقة إلا في الأقل يغلبهم السلطان على إعطائها‏.‏ ولما استولى السلطان أبو عنان على تلمسان أعوام خمسمين وسبعمائة وفر صغير بن عامر إلى الصحراء ونزل عليهم واستجار بهم فأجاروه‏.‏ ونكر السلطان عليهم ذلك فأجمعوا نقض طاعته وأقاموا معه بالصحراء وصغير متولي كبير ذلك الخلاف حتى إذا هلك أبو عنان وكان من سلطان أبي حمو بتلمسان نحن ذاكروه وزحف بنو مرين إلى تلمسان ففر منها أبو حمو وصغير ونزلوا عليهم فأوقعوا بعسكر بني مرين بنواحي تلمسان واتسع الخرق بينهم وبين بني مرين فانحازوا إلى أبي حمو وسلطانه وأقطعهم بضواحيه‏.‏ ثم رجعوا إلى أوطانهم بعد مهلك السلطان أبي سالم أعوام ثلاث وستين على حين اضطراب المغرب بفتنة أولاد السلطان أبي علي ونزولهم بسجلماسة فكان لهم في تلك الفتنة آثار إلى أن انقشعت‏.‏ ثم كان لأحمد بن رحو مع أبي حمو جولة وأجلب عليه بأبي زيان حافد أبي تاشفين فقتل في تلك الفتنة كما نذكره ثم اعتزوا على الدولة من بعد ذلك وأكثر مغارم درعة لهذا العهد وأقطع لهم ببلاد تادلا والمعدن من تلك الثنايا التي منها دخولهم إلى المغرب للمربع والمصيف ولميرات الأقوات‏.‏ وسجلماسة من مواطن إخوانهم الأحلاف كما نذكره وليست من مواطنهم فأما درعة فهي من بلاد القبلة موضوعة حقاً في الوادي الأعظم المنحدر من جبل درن من فوهة يخرج منها وادي أم ربيع ويتساهل إلى البسائط والتلول ووادي دريعة ينحدر إلى القبلة مغرباً إلى أن يصب في الرمل ببلاد السوس وعليه قصور درعة وواد آخر كبير أيضاً ينحدر إلى القبلة مشرقاً بعض الشيء إلى أن يصب فى الرمل دون تيكورارين وفي قبلتها‏.‏ وعليه من جهة المغرب قصور توات ثم بعدها تمنطيت ثم بعدها وركلان‏.‏ وعندها يصب في الرمل‏.‏ وفي الشمال عن ركان قصور تسابيت‏.‏ وفي الشمال عنها إلى الشرق قصور تيكورارين والكل وراء عرق الرمل‏.‏ وجبال درن هي الجبال العظيمة الجاثمة سياجاً على المغرب الأقصى من آسفي إلى تازي وفي قبلتها جبل نكيسة لصنهاجة وآخره جبل ابن حميدي من طرف هسكورة‏.‏ ثم ينعطف من هنالك جبال أخرى متوازية حتى تنتهي إلى ساحل بادس من البحر الرومي‏.‏ وصار المغرب لذلك كالجزيرة أحاطت الجبال به من القبلة والشرق والبحر ومن المغرب والجوف‏.‏ واعتمر هذه الجبال والبسائط التي بينها أمم من البربر لا يحصيهم إلا خالقهم والمسالك بين هذه الجبال إلى المغرب منحصرة ثم معدودة‏.‏ وبزحام القبائل المعتمرين لها كاظة‏.‏ ومصب وادي درعة هذا إلى الصحراء والرمال ما بين سجلماسة وبلاد السوس ويمتد إلى أن يصب في البحر ما بين نون ووادان وحفافيه قصور لا تحصى شجرتها النخل وقاعدتها بلد تادنست بلد كبير يقصده التجر للسلم في النيلج انتظار خروجه بالصناعة‏.‏ ولأولاد حسين هؤلاء استيلاء على هذا الوطن ومن بإزائه في فسيح جبلة من قبائل البربر صناكة وغيرهم ولهم عليهم ضرائب وخفرات ووضائع‏.‏ ولهم في مجابي السطان إقطاعات ويجاورهم الشبانات من أولاد حسان من ناحية الغرب فلهم بسبب دلك على درعة بعض الأتاوات‏.‏ وأما الأحلاف من ذوي منصور وهم العمارنة والمنبات فمواطنهم مجاورة لأولاد حسين من ناحية الشرق‏.‏ وفي مجالاتهم بالقفر تافيلات وصحراؤها‏.‏ وبالتل ملوية وقصور وطاط وتازي وبطوية وغساسة لهم على ذلك كله الأتاوات والوضائع وفيها الإقطاعات السلطانية‏.‏ وبينهم وبين أولاد حسين فتنة ويجمعهم العصبية في فتنة من سواهم‏.‏ ورئاسة العمارنة في أولاد مظفر بن ثابت بن مخلف بن عمران وكان شيخهم لعهد السلطان أبي عنان طلحة بن مظفر وابنه الزبير‏.‏ ولهذا العهد محمد بن الزبير وأخوه موسى ويرادفهم في رئاستهم أولاد عمارة بن قلان بن مخلف فكان منهم محمد العائد‏.‏ ومنهم لهذا العهد سليمان بن ناجي بن عمارة ينتجع في القفر ويكثر الغزو إلى اعتراض العير وقصور الصحراء‏.‏ ورئاسة المنبات لهذا العهد لمحمد بن عبد بن حسين بن يوسف بن فرج بن منبا وكانت أيام السلطان أبي عنان لأخيه علي من قبله وترادفهم في رئاستهم ابن عمهم عبد الله بن الحاج عامر بن أبي البركات بن منبا‏.‏ والمنبات والعمارنة اليوم إذا اجتمعوا جميعاً يكثر أولاد حسين‏.‏ وكان للمنبات كثيرة لأول دولة بني مرين‏.‏ وكان خلفهم مع بني عبد الواد‏.‏ وكان مقدمه يغمراسن بن زيان في افتتاح سجلماسة وتملكها من أيدي الموحدين ثم تغلب بنو مرين عليها وقتلوا من حاربها من مشيختهم مع بني عبد الواد ثم أوقعوا بالمنبات من بعد ذلك في مجالاتهم بالقفر واستلحموهم فنقص عددهم لذلك آخر الأيام والله مالك الأمور لا رب سواه‏.‏ مواطن العثامنة تلي مواطن بني منصور من جانب الغرب ويليهم أولاد سالم‏.‏ وفي حيز مواطنهم درعة ولهم عليها القفر‏.‏ ويليهم أولاد جلال عند منتهى عمارة درعة مما يلي المغرب والقبلة‏.‏ ويليهم غرباً إلى البحر الشبانات وهم أولاد علي وأولاد بو ثابت وأولاد حسان وراءهم من ناحية القبلة والغرب وينزلون مواطنهم بالغلب الذي لهم عليه‏.‏ ذوي حسان عرب السوس وأما بنو مختار بن محمد فهم كما قدمناه‏:‏ ذوي حسان والشبانات والرقيطات‏.‏ ومنهم أيضاً الجياهنة وأولاد برية وكانت مواطنهم بنواحي ملوية إلى مصبه في البحر مع إخوانهم ذوي منصور وعبيد الله إلى أن استصرخهم علي بن يدر الزكندري صاحب السوس من بعد الموحدين‏.‏ ونسبه بزعمه في عرب الفتح‏.‏ وكانت بينه وبين كزولة الظواعن ببسائط السوس‏.‏ وجبالة فتنة طويلة استصرخ لها بني مختار هؤلاء فصارخوه وارتحلوا إليه بظعونهم وحمدوا مواطن السوس لعدم المزاحم من الظواعن فيها فأوطنوها‏.‏ وصارت مجالاتهم بقفرها وغلبوا كزولة وأصاروهم في جملتهم ومن ظعونهم وغلبوا على القصور التي بتلك المواطن في سوس ونول‏.‏ ووضعوا عليها الأتاوات مثل تارودانت من سوس وهي ضفة وادي سوس حيث يهبط من الجبل وبين مصبه ومصب وادي ماسة حيث الرباط المشهور مرحلة إلى القبلة‏.‏ ومن هناك إلى زوايا أولاد بني نعمان مرحلة أخرى في القبلة على سائر البحر وتواصت على وادي نول حيث يدفع من جبل نكيسة غرباً وبينها وبين إيفري مرحلة والعرب لا يغلبونها وإنما يغلبون على البسائط في نواحيها‏.‏ وكانت هذه المواطن لعهد الموحدين من جملة ممالكهم وأوسع عمالاتهم‏.‏ فلما انقرض أمر الموحدين حجبت عن ظل الدولة وخرجت عن إيالة السلطان إلا ما كان بها لبني يدر هؤلاء الذين قدمنا ذكرهم‏.‏ وكان علي بن يدر مالكاً لقصورها وكان له من الجند نحو ألف فارس وولي من بعده عبد الرحمن بن الحسن بن يدر وبعده أخوه علي بن الحسن‏.‏ وكان لعبد الرحمن معهم حروب وفتن بعد استظهاره بهم وهزموه مرات متتابعة أعوام خمس وسبعمائة وما بعده وغدر هو بمشيختهم وقتلهم بتارودانت سنة ثمان من بعد ذلك‏.‏ وكان لبني مرين على هؤلاء المعقل بالسوس وقائع وأيام وظهر يعقوب بن عبد الحق ببني مرين في بعضها الشبانات على بني حسان‏.‏ واستلحم منهم عدداً وحاصرهم يوسف بن يعقوب بعدها فأمسكوها وأغرمهم ثمانية عشر ألفاً وأثخن فيهم بوسف بن يعقوب ثانية سنة ست وثمانين وحاربتهم جيوشه أيضاً أياماً لحق بهم بنو كمي من بني عبد الواد وخالفوا على السلطان فترددت إليهم العساكر واتصلت الحروب كما نذكر في أخباره‏.‏ ولما استفحل أمر زناتة بالمغرب‏.‏ وملك أبو علي ابن السلطان أبي سعيد سجلماسة واقتطعها عن ملك أبيه بصلح وقع على ذلك انضوى إليه هؤلاء الأعراب أهل السوس من الشبانات وبني حسان ورغبوه في ملك هذه القصور فأغزاها من تخوم وطنه بدرعة ودخل القرى عنوة‏.‏ وفر علي بن الحسن وأمه إلى جبال نكيسة عند صنهاجة ثم رجع‏.‏ ثم غلب السلطان أبو الحسن واستولى على المغرب كله ورغبة العرب في مثلها من قصور السوس فبعث معهم عساكره وقائده حسون بن إبراهيم بن عيسى من بني يرنيان فملكها وجبى بلاد السوس وأقطع فيه للحرب وساسهم في الجباية فاستقامت حاله مدة‏.‏ ثم انقرض آمر السلطان آبي الحسن فانقرض ذلك ورجع السوس إلى حاله وهو اليوم ضاح من ظل الدولة والعرب يقتسمون جبايته ورعاياه من قبائل المصامدة وصناهجة قبائل الجباية‏.‏ والظواعن منهم يقتسمونهم خولاً للعسكرة مثل كزولة مع بني حسان وزكرز ولخس من لمطة مع الشبانات هذه حالهم لهذا العهد‏.‏ ورئاسة ذوي حسان في أولاد أبي الخليل بن عمر بن عفير بن حسن بن موسى بن حامد بن سعيد بن حسان بن مختار لمخلوف بن أبي بكر بن سليمان بن الحسن بن زيان بن الخليل ولأخوانه‏.‏ ولا أدري رئاسة الشبانات لمن هي منهم إلا أنهم حرب لبني حسان آخر الأيام‏.‏ والرقيطات في غالب أحوالهم أحلاف للشبانات وهم أقرب إلى بلاد المصامدة وجبال درن وذوي حسان أبعد في القفر والله تعالى يخلق ما يشاء لا إله إلا هو‏.‏

 بني سليم من الطبقة الرابعة

الخبر عن بني سليم بن منصور من هذه الطبقة الرابعة وتعديد بطونهم وذكر أنسابهم وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم ونبدأ أولاً بذكر بني كعب وأخبارهم‏.‏ وأما بني سليم هؤلاء فبطن متسع من أوسع بطون مضر وأكثرهم جموعاً وكانت منازلهم بنجد‏.‏ وهم بنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس وفيهم شعوب كثيرة‏.‏ ورئاستهم في الجاهلية لبني الشريد بن رياح بن ثعلبة بن عطية بن خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم وعمرو بن الشريد عيظم مضر وأبناؤه صخر ومعاوية‏.‏ فصخر أبو الخنساء وزوجها العباس بن مرداس صحابي حضرت معه القادسية‏.‏ ومن بطون سليم‏:‏ عصية ورعل وذكوان الذين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتكوا بأصحابه فحمد ذكرهم‏.‏ وكان بنو سليم لعهد الخلافة العباسية شوكة بغي وفتنة حتى لقد أوصى بعض خلفائهم ابنه أن لا يتزوج فيهم‏.‏ وكانوا يغيرون على المدينة وتخرج الكتائب من بغداد إليهم وتوقع بهم وهم منتبذون بالقفر ولما كانت فتنة القرامطة صاروا حلفاء لأبي الطاهر ثم لما انقرض أمر القرامطة غلب بنو سليم على البحرين بدعوة الشيعة لما أن القرامطة كانوا على دعوتهم‏.‏ ثم غلب بنو الأصفر بن تغلب على البحرين بدعوة العباسية أيام بني بويه وطردوا عنها بني سليم فلحقوا بصعيد مصر‏.‏ وأجازهم المستنصر على يد اليازوري وزيره إلى إفريقية لحرب المعز بن باديس عند خلافته عليهم كما ذكرنا ذلك أولاً فأجازوا مع الهلاليين وأقاموا ببرقة وجهات طرابلس زماناً‏.‏ ثم صاروا إلى أفريقية كما يذكر في الخبر عنهم‏.‏ وبإفريقية وما إليها من هذا العهد من بطونهم أربعة بطون‏:‏ زغب وذياب وهبيب وعوف‏.‏ فأما زغب فقال ابن الكلبي في نسبته‏:‏ زغب بن نصر بن خفاف بن امرىء القيس بن بهنة بن سليم‏.‏ وقال أبو محمد التجاني من مشيخة التونسيين في رحلته أنه زغب بن ناصر بن خفاف بن جرير بن ملاك بن خفاف وزعم أنه أبو ذياب وزغب الأصغر الذين هم الآن من أحياء بني سليم بإفريقية‏.‏ وقال أبو الحسن بن سعيد‏:‏ هو زغب بن مالك بن بهنة بن سليم كانوا بين الحرمين وهم الآن بإفريقية مع إخوانهم ونسب ذياب بن مالك بن بهنة فالله أعلم بالصحيح من ذلك‏.‏ ونسب بن سعيد والتجاني لهؤلاء قريب بعضه من بعض ولعله واحد‏.‏ وسقط لابن سعيد جد‏.‏ وأما هبيب فهو ابن بهنة بن سليم ومواطنهم من أول أرض برقة مما يلي إفريقية إلى العقبة الصغيرة من جهة الإسكندرية فأقاموا هنالك بعد دخول إخوانهم إلى إفريقية‏.‏ وأول ما يلي الغرب منهم بنو حميد لهم أجرابية وجهاتها‏.‏ وهم عديد يرهبهم الحاج ويرجون إلى شماخ وقبائل شماخ لها عدد ولهم العز في هيب لكونها حازت خصب برقة الذي منه المرج‏.‏ وفي شرقيهم إلى العقبة الكبيرة من قبائل هيب بنو لبيد وهم بطون عديدة‏.‏ وبين شماخ ولبيد فتن وحروب‏.‏ وفي شرقيهم إلى العقبة الصغيرة شمال ومحارب والرئاسة في هاتين القبيلتين لبني عزاز وهم المعروفون بالعزة‏.‏ وجميع بطون هيب هذه استولت على إقليم طويل خربوا مدنه ولم يبق فيه مملكة ولا ولاية إلا لأشياخهم وفي خدمتهم بربر ويهود يحترفون بالفلاحة والتجر‏.‏ ومعهم من رواحة وفزارة أمم واشتهر لهذا العهد ببرقة من شيوخ أعرابها أبو ذؤيب‏.‏ ولا أدري نسبه فيمن هو وهو بعيد وهم يقولون من العزة وقوم يقولون من بني أحمد وقوم يجعلونه من فزارة لأن فزارة هنالك‏.‏ قليل عددهم والغلب لهيب فكيف تكون الرئاسة لغيرهم‏.‏ وأما عوف فهو ابن بهثة بن سليم ومواطنهم من وادي قابس إلى أرض بونة ولهم جذمان عظيمان‏:‏ مرداس وعلاق ولعلاق بطنان‏:‏ بنو يحيى وحصن‏.‏ وفي أشعار هؤلاء المتأخرين منهم مثل حمزة بن عمر شيخ الكعوب وغيره أن يحيى وعلاقا أخوان‏.‏ ولبني يحيى ثلاثة بطون‏:‏ حمير ودلاج ورياح ولحمير بطنان‏:‏ ترجم وكردم‏.‏ ومن ترجم‏:‏ الكعوب بنو كعب بن أحمد بن ترجم‏.‏ ولحصن بطنان‏:‏ بنو علي وحكيم‏.‏ ونحن نأتي على الحكاية عن جميعهم بطناً بطناً‏.‏ وكانوا عند إجازتهم على أثر الهلاليين مقيمين ببرقة كما ذكرناه‏.‏ وهنالك نزل عليهم القاضي أبو بكر بن العربي وأبوه حين غرقت سفينتهم ونجوا إلى الساحر فوجدوا هنالك بني كعب فنزل عليهم فأكرمه شيخهم كما ذكر في رحللته‏.‏ ولما كانت فتنة ابن غانية وقراقش الغزي بجهات طرابلس وقابس وضواحيها كما نذكر في أخبارهم كان بنو سليم هؤلاء فيمن تجمع إليهم من ذؤبان العرب وأوشاب فاعصوصبوا عليهم‏.‏ وكان لهم معهم حروب‏.‏ وقتل قراقش ثمانين من الكعوب وهربوا إلى برقة واستصرخوا برياح من بطون سليم ودبكل من حمير فصارخوهم إلى أن تجلت غمامة تلك الفتنة بمهلك قراقش وابن غانية من بعده‏.‏ وكان رسوخ الدولة الحفصية بإفريقية‏.‏ ولما هلك قراقش واتصلت فتنة ابن غانية مع أبي محمد بن أبي حفص ورجع بنو سليم إلى أبي محمد صاحب إفريقية‏.‏ وكان مع ابن غانية الدواودة من رياح وشيخهم مسعود البلط فر من المغرب ولحق به فكان معه هو وبنوه‏.‏ وبنو عوف هؤلاء من سليم الشيخ أبي محمد‏.‏ فلما استبد ابنه الأمير أبو زكريا بملك إفريقية رجعوا جميعاً إليه والشفوف للدواودة‏.‏ فلما انقطع دابر ابن غانية صرف عزمه الى إخراح رياح من إفريقية لما كانوا عليه من العيث بها والفساد فجاء بمرداس وعلاق وهما بنو عوف بن سليم هؤلاء من مواطنهم بنواحي السواحل وقابس ورئاسة مرداس يومئذ في أولاد جامع وبعده لابنه يوسف وبعده لعنان بن جابر بن جامع‏.‏ ورئاسة علاق في الكعوب لأولاد شيخة بن يعقوب بن كعب‏.‏ وكانت رئاسة علاق عند دخولهم إفريقية لعهد المعز وبنيه لرافع بن حماد وعنده راية جده التي حضر بها مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو جد بني كعب فيما يزعمون‏.‏ فاستظهر بهم السلطان على شأنه وأنزلهم بساح القيروان وأجزل لهم الصلات والعوائد وزاحموا الدواودة من رياح بمنكل بعد أن كانت لهم استطالة على جميع بلاد إفريقية‏.‏ وكانت أبة إقطاعاً لمحمد بن مسعود بن سلطان أيام الشيخ أبي محمد بن أبي حفص فأقبل إليه مرداس في بعض السنين عيرهم للكيل ونزولوا به فرأوا نعمة الدواودة في تلولهم تلك فشرهوا إليها وأجمعوا طلبها فحاربوهم فغلبوهم وقتلوا رزق بن سلطان‏.‏ واتصلت الفتنة فلما حضرهم الأمير أبو زكريا صادف عندهم القبول لتحريضه فاعصوصبوا جميعاً على فتنة الدواودة وتأهبوا لها‏.‏ وتكررت بينهم وبين رياح الحروب والوقائع حتى أزاحوهم عن إفريقية إلى مواطنهم لهذا العهد بتلول قسطنطينة وبجاية إلى الزاب وما إليه‏.‏ ثم وضعوا أوزار الحرب وأوطن كل حيث قسمت له قومه‏.‏ وملك بنو عوف سائر ضواحي إفريقية وتغلبوا عليه واصطنعهم السلطان وأثبتهم في ديوان العطاء‏.‏ ولم يقطع شيئاً من البلاد‏.‏ واختص بالولاية منهم أولاد جامع وقومه فكانوا له خالصة وتم تدبيره في غلب الدواودة ورياح في ضواحي إفريقية وإزعاجهم عنها إلى ضواحي الزاب وبجاية وقسطنطينة وطال بالدولة واختلف حالهم في الاستقامة معها والنفرة‏.‏ وضرب السلطان بينهم ابن علاق فنشأت الفتنة وسخط عنان بن جابر شيخ مرداس من أولاد جامع مكانه من الدولة فذهب مغاضباً عنها‏.‏ وأقام بناجعته من مرداس ومن إليهم بنواحي المغرب في بلاد رياح من زاغر إلى ما يقاربها وخاطبه أبو عبد الله بن أبي الحسن خالصة السلطان أبي زكريا صاحب إفريقية يومئذ يؤنبه على فعلته في مراجعة السلطان بقصيدة منها قوله وهي طويلة‏:‏ قد المهامه بالمهرية القود واطو الفلاة بتصويب وتصعيد ومنها قوله‏:‏ سلوا دمنة بين الغضا والسواجر هل استن فيها واكفات المواطر فأجاب عن هذه عنان بقوله‏:‏ خليلي عوجاً بين سلع وحاجر بهوج عناجيج نواج ضوامر يقيم في النزوع عنهم ويستعطف السلطان بعض الشيء كما نذكره في أخبار الدولة الحفصية ثم لحق بمراكش بالخليفة السعيد من بني عبد المؤمن محرضاً له على إفريقية وآل حفص وهلك في سبيله وقبر بسلا ولم يزد حال مرداس بين النفرة والأصحاب إلى أن هلك الأمير أبو زكريا واستفحل ملك ابنه المستنصر من بعده وعلا الكعوب بذمة قوية من السلطان‏.‏ وكان شيخهم لعهده عبد الله بن شيحة فسعى عند السلطان في مرداس وكأن ابن جامع مبلغاً سعايته واعصوصبت عليه سائر علاق فحاربوا المرداسيين هؤلاء وغلبوهم على الأوطان والحفظ من السلطان وأخرجوهم عن إفريقية وصاروا إلى القفر وهم اليوم به من جهة بادية الأعراب أهل الفلاة ينزعون إلى الرمل ويمتارون من أطراف التلول تحت أحكام سليم أو رياح ويختصون بالتغلب على قسطنطينة أيام مرابع الكعوب ومصائفهم بالتلول‏.‏ فإذا انحدروا إلى مشاتيهم بالقفر أجفلت أحياء مرداس إلى القفر البعيد ويخالطونهم على حلف ولهم على توزر ونفطة وبلاد قسطيلة أتاوة يؤدونها إليهم بما هي محى مواطنهم ومجالاتهم وتصرفهم ولأنها في من أعراضهم‏.‏ وصاروا لهذا العهد إلى تملك القفار بها فاصطفوا منه كثيراً وأصبح منه عمران قسطنطينة لهم مرتابا واستقام أمر بني كعب من علاق وفي رياسة عوف وسائر بطونهم من وسائر بطونهم من مرداس وحصين ورياح ودلاج ومن بطون رياح حبيب وعلا شأنهم عند الدولة واعتزوا على سائر بني سليم بن منصور بن واستقرت رياستهم في ولد يعقوب بن كعب وهم بنو شيحة وبنو طاعن وبنو علي‏.‏ وكان التقدم لبني شيحة بن يعقوب لعبد الله أولاً ثم لإبراهيم أخيه ثم لعبد الرحمن ثالثهما على ما يأتي‏.‏ وكان بنو علي يرادفونهم في الرياسة‏.‏ وكان منهم بنو كثير بن يزيد بن علي‏.‏ وكان كعب هذا يعرف بينهم بالحاج لما كان قضى فرضه وكانت له صحابة مع أبي سعيد العود الرطب شيخ الموحدين لعهد السلطان المستنصر أفادته جاهاً وثروة وأقطع له السلطان أربعاً من القرى أصارها لوالده‏.‏ كان منها بناحية صفاقس وبإفريقية وبناحية االجريد‏.‏ وكان له من الولد سبعة أربعة لأم وهم أحمد وماضي وعلي ومحمد وثلاثة لأم وهم‏:‏ بريد وبركات وعبد الغني‏.‏ فنازع أحمد أولاد شيخة في رئاستهم على الكعوب واتصل بالسلطان أبي إسحق وأحفظهم ذلك فلحقوا بالدعي عند ظهوره وكان من شأنه ما قدمنا‏.‏ وهلك أحمد واستقرت الرئاسة في ولده وكان له من الولد جماعة‏.‏ فمن غزية إحدى نساء بني يزيد من صنهاجة‏:‏ قاسم ومرا وأبو الليل وأبو الفضل ومن الحكمية‏:‏ فائد وعبيد ومنديل وعبد الكريم ومن السرية كليب وعساكر وعبد الملك وعبد العزيز‏.‏ ولما هلك أحمد قام بأمرهم بعده ابنه أبو الفضل‏.‏ ثم من بعده أخوه أبو الليل بن أحمد‏.‏ وعلت رئاسة بني أحمد هؤلاء على قومهم وتألفوا ولد إخوتهم جميعاً‏.‏ وعرفوا ما بين أحيائهم بالأعشاش إلى هذا العهد‏.‏ ولما كان شأن الدعي بن أبي عمارة‏.‏ وليس بأنه الفضل بن يحيى المخلوع وأوقع بالسلطان أبي إسحق وقتله وأكثر بنيه كما نذكره في موضعه‏.‏ لحق أبو حفص أخوه الأصغر بقلعة سنان من حصون إفريقية‏.‏ وكان لأبي الليل بن أحمد في نجاته ثم في القيام بأمره أثره وقع منه أحسن المواقع فاصطنعه به وشيد من رئاسته على قومه عندما أدال الله به من الدعي فاضطلع أبو الليل هذا بأمرهم‏.‏ وزاحم أولاد شيحة بمنكب قوي‏.‏ ولحق آخرهم عبد الرحمن بن شيحة ببجاية عندما اقتطعها الأمير أبو زكريا ابن السلطان أبي إسحق عن ملك عمه السلطان أبي حفص فوفد عليه مستجيشاً به ومرغباً له في ملك تونس يرجو بذلك كثرة رئاسته فهلك دون مرامه وقبر ببجاية وانقرضت رئاسة أولاد شيحة بمهلكه‏.‏ واستبد أبو الليل بالرئاسة في الكعوب ووقع بينه وبين السلطان أبي حفص وحشة فقدم على الكعوب مكانه محمد بن عبد الرحمن بن شيحة وزاحمه به أياماً حتى استقام على الطاعة‏.‏ ولما هلك قام بأمرهم ابنه أحمد واتصل أمر رئاسته ونكبه السلطان أبو عصيدة فهلك في سجنه وولي بعده أخوه عمر بن أبي الليل وزاحمه هراج بن عبيد بن حمد بن كعب إلى أن هلك هراج كما نذكره‏.‏ ولما هلك عمر قام بأمره في قومه أخوه محمد بن أبي الليل وكفل مولاهم وحمزة ابن أخيه عمر‏.‏ وكان عمر مضعفاً عاجزاً فنازعه أولاد مهلهل ابن عمه قاسم وهم‏:‏ محمد ومسكيانه ومرغم وطالب وعون في آخرين لم حضرني أسماؤهم فترشحوا للاستبداد على ولما ظهر هراج بن عبيد بن أحمد بن كعب وعظم ضغائنه وعتوه وإفساد الأعراب من احيائه السابلة وساء أثره في ذلك وأسف السلطان بالاعتزاز عليه والاشتراط في ماله‏.‏ وتوغلت له صدور الغوغاء والعامة فوفد على تونس عام خمسة وسبعمائة ودخل المسجد يوم الجمعة لابساً خفه‏.‏ ونكر الناس عليه وطأه بيت الله بخف لم ينزعه‏.‏ وربما قال له في ذلك بعض المصلين إلى جنبه فقال‏:‏ إني أدخل بها بساط السلطان فكيف الجامع فاستعظم الناس كلمته وثاروا به لحينه فقتلوه في المسجد وأرضوا الدولة بفعلهم‏.‏ وكان أمره مذكوراً‏.‏ وقتل السلطان بعد ذلك أخاه كيسان وابن عمه شبل بن منديل بن أحمد‏.‏ وقام بأمر الكعوب من بعد محمد بن أبي الليل وهراج بن عبيد مولاهم وحمزة أبناء عمر واستبد برئاسة البدو من سليم بإفريقية على مزاحمة من بني عمهم مهلهل بن قاسم وأقتالهم وفحول شولهم‏.‏ وانتقض أحمد بن أبي الليل وابن أخيه مولاهم ابن عمر على السلطان سنة سبع وسبعمائة واستدعيا عثمان بن أبي دبوس من مكانه بوطن دباب فجاءهما وأجلبا به على تونس‏.‏ ونزل كدية الصعتر بظاهرها‏.‏ وبرز إليهم الوزير أبو عبد الله بن برزيكن فهزمهم واستخدم أحمد بن أبي الليل‏.‏ ثم تقبض عليه واعتقل بتونس إلى أن هلك‏.‏ ووفد بعد ذلك مولاهم ابن عمر سنة ثمان فاعتقل معه‏.‏ ولحق أخوه حمزة بالأمير أبي البقاء خالد ابن الأمير زكريا صاحب الثغر الغربي من إفريقية بين يدي مهلك السلطان أبي عصيدة ومعه أبو علي بن كثير ويعقوب بن الفرس وشيوخ بني سليم هؤلاء‏.‏ ورغبوا أبا الأمير أبا البقاء في ملك الحضرة‏.‏ وجاءوا في صحبته وأطلق أخاه مولاهم من الاعتقال منذ دخول السلطان تونس سنة عشر وسبعمائة كما نذكره في خبره‏.‏ ثم لحق حمزة بالسلطان أبي يحيى زكربا بن اللعياني واتصلت به يده فرفعه على سائر العرب حتى لقد نفس ذلك عليه أخوه مولاهم‏.‏ ونزع إلى السلطان أبي يحيى الطويل أمر الخلافة‏.‏ ولي سبعاً ببجاية وثلاثين بعد استيلائه على الحضرة وسائر بلاد إفريقية فاستخلصه السلطان لدولته ونابذه حمزة فأجلب عليه بالقرابة واحداً بعد واحد كما نذكره‏.‏ وداهل أخوه مولاهم في مناصحة السلطان ومالأ حمزة على شأنه‏.‏ وربما نمي عنه الغدر فتقبض عليه السلطان وعلى ابنه منصور وعلى ربيبه زغدان ومغران بن محمد بن أبي الليل‏.‏ وكان الساعي بهم إلى السلطان ابن عمهم عون بن عبد الله بن أحمد وأحمد بن عبد الواحد أبو عبيد وأبو هلال بن محمود بن فائد وناجي بن أبي علي بن كثير ومحمد بن مسكين وأبو زيد بن عمر بن يعقوب ومن هوارة فيصل بن زعزاع فقتلوا لحينهم سنة اثنتين وعشرين وبعثت أشلاؤهم إلى حمزة فاشتد حناقه ولحق صريخاً بأبي تاشفين صاحب تلمسان لعهده من آل يغمراسن ومعه محمد ابن السلطان اللحياني المعروف بأبي ضربة قد نصبه للملك‏.‏ وأمدهم أبو تاشفين بعساكر زناتة وزحفوا إلى إفريقية فخرج إليهم السلطان وهزمهم برغيش‏.‏ ولم يزل حمزة من بعدها مجلباً على السلطان أبي يحيى بالمرشحين من أعياص البيت الحفصي وأبو تاشفين صاحب تلمسان يمدهم بعساكره‏.‏ وتكررت بينهم الوقائع والأيام سجالاً كما نذكره في مواضعه‏.‏ حتى إذا استولى السلطان أبو الحسن وقومه من بني مرين على تلمسان والغرب الأوسط سنة سبع وثلاثين وسبعمائة واستتبعوا بني عبد الواد وسائر زناتة أقصي حمزة عن فتنته وانقطع حبلها في يده ولحق بالسلطان أبي الحسن مستشفعاً به فتقبل السلطان أبو يحيى شفاعته وعفا له عن جرائمه وأحله محل الأصفاء والخلوص‏.‏ فشمر عن نصحه واجتهاده وظاهر قائده محمد بن الحكيم على تدويخ إفريقية وظهر البدو من الأعراب فاستقام أمر الدولة وتوثر مهادها‏.‏ وهلك حمزة سنة أربعين وسبعمائة بيد أبي عون نصر بن أبي علي عبد السلام من ولد كثير بن زيد المتقدم الذكر في بني علي من بطون بني كعب طعنه في بعض الحروب فأشواه وكان فيها مهلكه‏.‏ وقام بأمرهم من بعده ابنه عمر بمظاهرة شقيقه قتيبة‏.‏ ولكن أبا الليل تغلب على سائر الإخوة والقرابة واستبد برئاسة بني كعب وسائر بني يحيى وأقتاله بنو مهلهل ينافسونه ويرتقبون الإدارة منه‏.‏ وكان مساهمه في أمره معن بن مطاعن فزارة وزير أبيه‏.‏ وخرجوا على السلطان بعد مهلك حمزة أبيهم واتهموا أن قتل أبي عون إياهم إنما كان بممالأة الدولة فنازلوا تونس وجمعوا لمحاصرتها أولاد مهلهل أمثالهم‏.‏ ثم اختلفوا ورحلوا عن البلد وانخذل طالب بن مهلهل وقومه إلى السلطان‏.‏ ونهض في أثرهم فأوقع بهم في القيروان ووفدت مشيختهم على ابنه الأمير أبي العباس بقصره يداخلونه في الخروج على ابنه‏.‏ وكان فيهم معن بن مطاعن وزيرهم فتقبض عليه وقتله وأفلت الباقون‏.‏ وراجعوا الطاعة وأعطوا الرهن‏.‏ ولما هلك السلطان أبو يحيى وقام بالأمر ابنه عمر انحرفوا عنه وطاهروا أخاه أبا العباس صاحب الجريد وولي العهد وزحفوا معه بظواعنهم إلى تونس فدخلها وقتله أخوه عمر كما نذكره في موضعه وقتل معه أخاهم أبو الهول بن حمزة فأسعفهم بذلك‏.‏ ووفد خالد على صاحب المغرب السلطان أبي الحسن فيمن وفد عليه من وجوه الدولة وكافة المشيخة من إفريقية وجاء في جملته حتى إذا استولى على البلاد قبض أيديهم عما كانت تمتد إليه من إفساد السابلة وأخذ الأتاوة وانتزع الأمصار التي كانت متقطعة بأيديهم وألحقهم بأمثالهم من أعراب بلاد المغرب الأقصى من المعقل وزغبة فثقلت وطأته عليهم وتنكروا له وساء ظنه بهم وفشت غارات المفسدين من بداويهم بالأطراف فنسب ذلك إليهم ووفد عليه بتونس من رجالاتهم خالد بن حمزة وأخوه أحمد وخليفة بن عبد الله بن مسكين وخليفة بن أبي زيد من شيوخ حليم فسعى بهم عنده أنهم داخلوا بعض الأعياص من أولاد اللحياني من بني أبي حفص كما في رحلته وكما نذكره في موضعه فتقبض عليهم وبلغ خبرهم إلى الحي فتأشبوا بقسطيلية والجريد فظفروا بزنابي من بقية آل عبد المؤمن من عقب أبي العباس إدريس الملقب بأبي إدريس آخر خلفائهم بمراكش وقتيل يعقوب بن عبد الحق عند غلبه على الموحدين بمراكش واستيلاؤه على المغرب وهو أحمد بن عثمان بن إدريس فنصبوه وبايعوه واجتمعوا عليه‏.‏ وتأشبت معهم بنو عمهم مهلهل أقتالهم وكان طالب هلك وقام مكانه فيهم ابنه محمد فصرخهم بقومه واتفقوا جميعاً على حرب زناتة‏.‏ ونهض إليهم السلطان أبو الحسن من تونس فاتح تسع وأربعين فأجفلوا أمامه حتى نزل القيروان‏.‏ ثم ناجزوه ففضوا جموعه وملأوا حقائبهم بأسلابه وأسلابهم وخضدوا من شوكة السلطان وألانوا من حد الملك وخفضوا من أمر زناتة‏.‏ وغلبهم الأمم وكان يوم له ما بعده في اعتزاز العرب على الدول آخر الأيام‏.‏ وهلك أبو الليل بن حمزة فعجز عمر عن مقاومة إخوته واستبد بالرئاسة عليه أخوه خالد ثم من بعده أخوهما منصور‏.‏ واعتز على السلطان أبي إسحق ابن السلطان أبي يحيى صاحب تونس لعهده اعتزازاً لا كفاء له‏.‏ وانبسطت أيدي العرب على الضاحية وأقطعتهم الدولة حتى الأمصار وألقاب الجباية ومختص الملك وانتفضت الأرض من أطرافها ووسطها وما زالوا يغالبون الدولة حتى غلبوا على الضاحية وقاسموهم في جبايات الأمصار بالأقطاع ريفاً وصحراء وتلولاً وجريداً‏.‏ ويحرضون بين أعياص الدولة ويجلبون بهم على الحضرة لما يعطونه طعمة من الدولة‏.‏ ويريمهم السلطان بأقتالهم أولاد مهلهل بن قاسم بن أحمد يديل به منهم حتى أحفظوها‏.‏ ويجرش بينهم بقضاء أوطارها حتى إذا أراد الله إنقاذ الأمة من هوة الخسف وتخليصهم من مكاره الجوع والخوف وإدالتهم من ظلمات الموت بنور الاستقامة بعث همة السلطان أمير المؤمنين أبي العباس أحمد أيده الله لطلب إرثه من الخلافة‏.‏ فبعث من بالحضرة فانبعث لها من مكان إمارته بالثغر العربي ونزل إليه أمير البدو ومنصور بن حمزة هذا وذلك سنة إحدى وسبعين وسبعمائة على حين مهلك السلطان أبي إسحق مقتعد كرسي الحضرة وصاحب عصا الخلافة والجماعة‏.‏ وقام ابنه خالد بالأمر من بعده فنهض إلى إفريقية ودخل تونس عنوة واستولى على الحضرة سنة اثنتين بعدها وأرهف حده للعرب في الاعتزاز عليهم وقبض أيديهم عن المفاسد وذويهم فحدثت لمنصور نفرة عن الدولة ونصب الأمير أبو يحيى زكريا ابن السلطان ابن أبي يحيى جدهم الأكبر كان في أحياء العرب منذ سنتين كما نذكر ذلك كله في أخبار الدولة وأجلب به على تونس سنة ثلاث وسبعين فامتنعت عليهم ولم يظفروا بشيء وراجع منصور حاله عند السلطان وكشف عن وجه المناصحة‏.‏ وكان عشريته قد ملوا منه حسداً ومنافسة بسوء ملكته عليهم فغدا عليه محمد ابن أخيه أبي الليل وطعنه فأشواه وهلك ليومه سنة خمس وسبعين وافترق جمعهم‏.‏ وقام بأمرهم من بعده صولة ابن أخيه خالد بن حمزة ويرادفه أولاد مولاهم ابن عمر فجهد بعض الشيء في خدمة السلطان ومناصحته‏.‏ ثم رجع إلى العصيان وكشف القناع في الخلاف‏.‏ واتصل حاله على ذلك ثلاثاً وأدال السلطان منه ومن قومه بأقتالهم أولاد مهلهل ورياستهم لمحمد بن طالب فرجع إليهم رياسة البدو وجعل لهم المنع والإعطاء فيهم ورفع رتبهم على العرب‏.‏ وتحيز إليهم مع أولاد مولاهم بن عمر بن أبي الليل ونقلت أولاد حمزة سائر هذه الأيام في الخلافة ونهض السلطان سنة ثمانين إلى بلاد الجريد لتقديم رؤسائها عن المراوغة وحملهم على جادة الطاعة فتعرضوا لمدافعته عنها بإملاء هؤلاء الرؤساء ومشارطتهم لهم على ذلك‏.‏ وبعد أن جمعوا له الجموع من ذؤبان العرب الأعراب وذياب البدو فغلبهم عليها جميعاً وأزاحهم عن ضواحيها وظفر بفرائسه من أولئك الرؤساء وأصبحوا بين معقتل ومشرد‏.‏ واستولى على قصورهم وذخائرهم وأبعد أولاد حمزة وأحلافهم من حكيم المفر وجاوزوا تخوم بلادهم من جهة المغرب واعتزت عليهم الدولة اعتزازاً لاكفاء فنامت الرعايا في ظل الأمن وانطلقت منهم وقد كان اعتزاز هؤلاء العرب على السلطان والدولة لا ينتهي إليه اعتزاز ولهم عنجهية وإباية وخلق في التكبر والزهو غريزة لما أنهم لم يعرفوا عهداً للذل ولا يساومون بإعطاء الصدقات لهذا العهد الأول‏.‏ أما في دولة بني أمية فللعصبية التي كانت للعرب بعضها مع بعض يشهد بذلك أخبار الردة والخلفاء معهم ومع أمثالهم‏.‏ مع أن الصدقة كانت لذلك العهد تتحرى الحق بجانب الاعتزاز والغلظة فليس في إعطائها كثير غمط ولا مذلة‏.‏ وأما أيام بني العباس حين استفحال الملك وحدوث الغلظة على أهل العصابة فلإبعادهم بالقفر من بلاد نجد وتهامة وما وراءهما‏.‏ وأما أيام العبيديين فكانت الحاجة تدعو الدولة إلى استمالتهم للفتنة التي كانت بينهم وبين بني العباس‏.‏ وأما حين خرجوا بعد ذلك إلى قضاء برقة وإفريقية فكانوا ضاحين من ظل الملك‏.‏ ولما اصطنعهم بنو أبي حفص كانوا معهم بمكان من الذل وسوم الخسف حتى كانت واقعتهم بالسلطان أبي الحسن وقومه من زناتة بالقيروان فنهجوا سبيل الاعتزاز كغيرهم من العرب على الدول بالمغرب فتحامل المعقل وزغبة على ملوك زناتة واستطالوا في طلابهم بعد أن كانوا مكبوحين بحكمة التغلب على التطاول إلى مثلها والله مالك الأمور‏.‏ الخبر عن قاسم بن مرا من الكعوب القائم بالسنة في سليم ومآل أمره وتصاريف أحواله كان هذا الرجل من الكعوب من أولاد أحمد بن كعب منهم وهو قاسم بن مرا بن أحمد‏.‏ نشأ بينهم ناسكاً منتحلاً للعبادة‏.‏ ولقي بالقيروان شيخ الصلحاء بعصره أبا يوسف الدهماني‏.‏ وأخذ عنه ولزمه‏.‏ ثم خرج إلى قومه مقتفياً طريقة شيخه في التزام الورع والأخذ بالسنة ما استطاع‏.‏ ورأى ما العرب عليه من إفساد السابلة والخروج عن الجادة فأخذ نفسه بتغيير المنكر فيهم وإقامة السنة لهم ودعا إلى ذلك عشيره من أولاد أحمد وأن يقاتلوا معه على ذلك فأشار عليه أولاد أبي الليل منهم وكانوا عيبة له تنصح له أن ينكف عن طلب ذلك من قومه مخافة أن يلحوا في عداوته فيفسد أمره‏.‏ ودفعوه إلى مطالبة غيرهم من سليم وسائر الناس بذلك وأنه منعة له ممن يرومه خاصة فجمع إليه أباشاً من البادية تبعوه على شأنه والتزموا طريقته والمرابطة معه وكانوا يسمون بالجنادة‏.‏ وبدأ بالدعاء إلى إصلاح السابلة بالقيروان وما إليها من بلاد الساحل وتتبع المحاربين بقتل من يعثر عليه منهم بالطرق وغزو المشاهير منهم في بيوتهم واستباحة أموالهم ودمائهم حتى شردهم كل مشرد‏.‏ وعلت بذلك كلمته على آل حصن وصلحت السابلة بإفريقية ما بين تونس والقيروان وبلاد الجريد وطار له ذكر نفسه عليه قومه وأجمع عداوته واغتياره بنو مهلهل قاسم بن أحمد وتنصحوا ببعض ذلك للسلطان بتونس الأمير أبي حفص وأن دعوة هذا الرجل قادحة في أمر الجماعة والدولة فأغضى لهم عن ذلك وتركهم وشأنهم فخرجوا من عنده مجمعين على قتله‏.‏ ودعوه في بعض أيامهم إلى المشاورة معه على عادة العرب ووقفوا معه بساحة حيهم ثم خلصوا معه نجياً وطعنه من خلفه محمد بن مهلهل الملقب بأبي عذبتين فخر صريعاً لليدين والفم‏.‏ وامتعض له أولاد أبي الليل وطلبوا بدمه فافترقت أحياء بني كعب من يومئذ بعد أن كانت جميعاً‏.‏ وقام بأمره من بعده ابنه رافع على مثل طريقته إلى أن هلك في طلب الأمر على يد بعض رجالات آل حصن سنة ست وسبعمائة‏.‏ ولم يزل بنو أبي الليل على الطلب بثأر قاسم بن مرا إلى أن ظهر فيهم حمزة ومولاهم ابنا عمر بن أبي الليل وصارت إليهم الرئاسة على أحيائهم‏.‏ واتفق بعض الأيام اجتماع أولال مهلهل بن قاسم في سيدي حمزة ومولاهم في مشاتيهم بالقفر فأجمع اغتيالهم وقتلهم عن آخرهم بثأر ابن عمهم قاسم بن مرا ولم يفلت منهم إلا طالب بن مهلهل لم يحضر معهم‏.‏ وعظمت الفتنة من يومئذ بين هذين الحيين وانقسمت عليهم أحياء بني سليم وصاروا يتعاقبون في الخلاف والطاعة على الدولة وهم على ذلك لهذا العهد‏.‏ والرئاسة في بني مهلهل اليوم لمحمد بن طالب بن مهلهل وأخيه يحيى والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏